12 - 08 - 2025

صباحيات | طريق واحد لوقف حرب الإبادة في غزة

صباحيات | طريق واحد لوقف حرب الإبادة في غزة

بات واضحا للعيان أن الحرب على غزة ستستمر طالما بقيت حكومة بنيامين نتنياهو، اليمينية المتطرفة، فهو الوحيد الذي يصر على استمرار الحرب لأنه يدرك تمامًا أن مصير حكومته ومستقبله السياسي مرهون باستمرار هذه الحرب، وأن انهاءها يعني نهايته ونهاية تحالفه الحاكم الطامح إلى إحداث  انقلاب جذري في السياسة الإسرائيلية بدأ بالانقلاب على خطة أرئيل شارون فيما يخص قطاع غزة و"حركة الاستيطان غير القانوني". وبات واضحا أن الطريق إلى إنهاء هذه الحرب إنما يبدأ بإسقاط الحكومة والذهاب إلى انتخابات مبكرة والسعي لتشكيل قوة مانعة لتشكل مثل هذا الائتلاف مرة أخرى، والرهان على استنهاض القوة الممانعة.

لا يستمع نتنياهو للأصوات الهادرة في عواصم أوروبا المنددة بالجرائم الوحشية وحرب التجويع التي يشنها على غزة وأهلها، ولا يستجيب لمناشدات ومظاهرات وضغوط أسر المخطوفين، ولا ضغوط المعارضة والمظاهرات في الداخل المطالبة بإنهاء الحرب، بل إنه لا يستمع لتقديرات رئيس الأركان وكبار المسؤولين العسكريين الذين يتوقعون خسائر كبيرة إذا توسعت الحرب أو استمرت، أو إذا حاول فرض سيطرة دائمة على مدينة غزة وشمال القطاع. لا يسمع نتنياهو ولا أركان حكومته لأحد سوى صوته، ويخرب كل محاولة للتوصل إلى اتفاق ينهي المأساة الإنسانية.

تتزايد الأصوات المطالبة بإنهاء الحرب في غزة في الداخل، وكثير من هذه الأصوات تأخرت كثيرًا، في إعلان موقفها من الحرب نتيجة لاعتبارات تتعلق بما أحدثه هجوم حماس في السابع من أكتوبر 2023، من هزة في المجتمع اليهودي، والموقف من حماس وإيران. ونجح نتنياهو وحكومته في استغلال هذا التوافق العام السائد لإسكات أي معارضة محتملة للحرب والمضي قدما في طريقه لتغيير المعادلة داخل إسرائيل ليفسح المجال للأصوات الأكثر تشددا ويحكم الحناق على معسكر اليسار وأنصار الحلول السلمية للصراع مع الفلسطينيين، ويصعد الإجراءات في غزة وفي الضفة الغربية لتحقيق برنامج اليمين الصهيوني المتجدد بشقيه الديني والاستيطاني. من بين الأصوات التي تأخرت كثيرًا، أساتذة قسم الشرق الأوسط في جامعة بن جوريون في النقب، وهم من الشخصيات الذين يحظون بتأثير قوي في الأوساط الأكاديمية في الداخل وعلى المستوى الدولي، وكان يتوقع منهم قيادة المعارضة للحرب، لا أن يأتي بيانهم في ذيل التحركات في الخارج والداخل. أعرف الملابسات التي حالت دون الإقدام على هذا الموقف في الوقت المناسب، لكن التأخير أيضًا كان أكثر من اللازم، ويجب مصارحتهم بأن القدوم متأخراً ليس دائما أفضل من عدم القدوم أبداً، فالقدوم متأخرا هذه المرة، أضاع فرصا لحشد الموقف المعارض للحرب.

قد يعوض هذا التأخير قوة البيان وامتلاك خطة عمل واضحة لتغيير معادلة الداخل من أجل وقف الحرب. كتبت في منشور سابق داعيًا إلى ضرورة البحث في أسباب موت تيار السلام في الوسط اليهودي، أين هي الأصوات التي كانت تعلو ضد الحرب وضد الجرائم التي ترتكب في حق المدنيين.. أين هي المظاهرات الحاشدة التي كانت تتجمع في ساحة رابين في تل أبيب في ذكرى اغتيال رئيس الوزراء العمالي إسحق رابين على يد المتطرف إيجال عمير، الذي ينتمي فكريًا إلى المعسكر الذي يحكم إسرائيل الآن. ما رأي أساتذة دراسات الشرق الأوسط في المستقبل السياسي لإسرائيل في ظل هذه الهيمنة لأحزاب اليمين والتراجع المهين لأحزاب اليسار ومعسكر السلام، وفي الحصار المفروض على أحزاب الوسط ويمين الوسط؟ ما هي التغيرات التي سمحت بهذا التحول المرعب في السياسة الإسرائيلية والذي يعني صعوده استمرار الحرب إلى ما لا نهاية، وهل يتحمل المجتمع اليهودي مثل هذا التحول؟

لقد عزز نتنياهو الأمر بإعادة احتلال مدينة عزة ومخيمات المواصي بوسط القطاع بمنح وزير الدفاع موشيه كاتس صلاحية استدعاء 250 ألف جنديا من الاحتياط، لكن السؤال عن مستوى الخسائر المحتملة الذي يمكن للجيش وللوسط اليهودي تحمله في هذه المغامرة العسكرية الجديدة؟ وهل ستحدث هذه المغامرة فارقًا ميدانيًا، بالفعل؟ عودة لبيان أعضاء قسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة بن جوريون بحثًا عن جديد قد يحدث فارقًا في الموقف العسكري والأمني والأهم في الموقف السياسي. لقد أشار البيان إلى أن سياسة إسرائيل في غزة ونوع الحرب هناك تتجاوز "كل معيار إنساني قانوني وأخلاقي" وأشار البيان إلى أن تلك السياسة "تحول غزة إلى مكان غير صالح للحياة، فقد أدت إلى مقتل عشرات الآلاف من الأبرياء، وتجويع السكان المدنيين، وتدمير البنية التحتية؛ علاوة على التدمير المنهجي للمباني السكنية، والاعتداء على طواقم الإنقاذ والطواقم الطبية" (لينك نص البيان بالكامل). 

لا جديد أضافه البيان سوى التخلي عن الصمت إزاء هذه الجريمة الواضحة والكاملة الأركان منذ بدء الحرب في غزة. كان من الأولى أن يصدر مثل هذا البيان قبل انقضاء مهلة الهدنة الأولى أو ربما الثانية في غزة لقطع الطريق على استئناف الحرب واستمرارها. ربما الجديد الذي أشار إليه البيان هو الإشارة إلى "إجماع" يتبلور" في المجتمع البحثي الدولي على أن إسرائيل مسؤولة عن ارتكاب إبادة جماعية"، فما الذي يمكن أن يسهم به المجتمع البحثي في إسرائيل في حشد المواقف لمحاسبة مرتكبي جرائم الحرب ومعاقبتهم، كي نضمن ألا ترتكب مثل هذه الجرائم مرة أخرى. لقد نجح النظام الحزبي والسياسي الإسرائيلي من قبل في منع الحاخام المتطرف مائير كاهانا، الذي كان يمارس إرهابًا ضد اليهوديات واليهود المندمجين مع العرب، فما الذي تغير وسمح لأحفاد كهانا بالإمساك بمقاليد الأمور ومراكز القرار في إسرائيل ما هو التحول الاجتماعي والسياسي الذي سمح بذلك. هذه أسئلة نتوقع من باحثي قسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة وغيرها من جامعات إسرائيلية وغير إسرائيلية تقديم إجابات لها، والأهم نتوقع أوراقا سياسية تتضمن توصيات واقتراحات لتغيير الوضع الراهن أو كبح جماحه حقنًا للدماء كخطوة أولى.. ثم البحث في طرق لتغيير الموقف.

اعتقد أن هناك خطوة شجاعة وجريئة، مطلوبة من الأكاديميين الملتزمين بالبحث عن الحقيقة والحق والإنصاف في إسرائيل وخارجها، تتمثل في دعم الاعتراف بالدولة الفلسطينية الآن، وأن يكونوا الأصوات المطالبة بهذا التحرك والداعمة له، لأن هذه الخطوة الرئيسية التي من شأنها أن تقدم رسالة واضحة لنتنياهو وأركان حكومته بأن المضي قدما في طريق الحرب سيأتي بنتائج معاكسة لما يسعون لتحقيقه، وبأن قضية الشعب الفلسطيني باقية مهما كانت محاولات التصفية والإبادة. إن الأكاديميين الإسرائيليين وغيرهم من المثقفين والسياسيين الذين لم تعمهم الأيديولوجية بعد يدركون تمام الإدراك أن إسرائيل تمضي بسبب هذه السياسات وبسرعة كبيرة في الطريق لأن تصبح دولة منبوذة من المجتمع الدولي.. فالعالم كله يقف في جانب ودونالد ترامب وبنيامين نتنياهو ومعسكريهما يقفان في الجانب الآخر.. هكذا أن تطرح المسألة. ليست إسرائيل ولا الولايات المتحدة وإنما ترامب ونتنياهو والعمل على عزلهما ونبذهما، وللأكاديميين والمثقفين الإسرائيليين دور كبير في هذا إذا وحدوا أصواتهم مع الأصوات التي تعلو للاعتراف بالدولة الفلسطينية وبالتحرك لكسر الحصار وإنهاء التجويع المفروض على الأطفال والنساء والشيوخ المدنيين في غزة.

ربما كانت النقطة الأهم في البيان هي تأكيد أنه لا يمكن الرد على جرائم الحرب التي ارتكبتها حماس في أكتوبر 2023، "بالانتقام من الأبرياء"، وأنه لا يمكن أن الرد على جرائم الحرب لا يكون بجرائم حرب أخرى باسم الدولة، خطة عمل. لقد كان البيان قويًا حين أشار إلى أن هناك إمكانية لدفع الواقع نحو مسار آخر، مسار لا تغذيه أوهام المسيحانية، ولا الحرب الأبدية، ولا التشجيع على مزيد من العنف والسلب في الضفة الغربية. 

في عام 2003، تبلور موقف أكاديمي إسرائيلي دولي، في إطار مبادرة "أكاديميون من أجل السلام الإسرائيلي الفلسطيني" يرى أن الطريق إنما يكون من خلال وقف الحرب، أين هذه المبادرة الآن. أعلم أن كثيرًا من الوجوه رحلوا عن دنيانا، لكن ما ميز هذه المبادرة أنها كانت ذاخرة بوجوه شابة، فأين ذهب هؤلاء؟
------------------------
بقلم: أشرف راضي

مقالات اخرى للكاتب

صباحيات | طريق واحد لوقف حرب الإبادة في غزة